إن أرباب الكلام من معتزلة وكلابية وأشعرية وجهمية يقولون: إن إثبات الصوت يلزم منه هواء يتردد في الرئة، ويلزم منه شفتان، ويلزم منه حنجرة وقصبة هوائية! سُبْحانَ اللَّه! من أين جئتم بهذه اللوازم؟
حتى الذين يؤمنون بإثبات صفة الكلام، ومنهم بعض الكُتّاب المعاصرين ردوا عليهم بأن قالوا: ونحن نثبت لله كلاماً، لكن من غير شفتين ولا لسان ولا قصبة هوائية ولا رئة ولا هواء ولا نفس، فأولئك أخطؤا في حق الله عَزَّ وَجَلَّ لما قالوا يلزم أن نثبت له هذا، والآخرون قالوا نثبت بلا كذا...، يكفيك أن تقول: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ))[الشورى:11]
ومن الذي يرد في خاطره أو يجول في باله أن الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى كالمخلوق في هذه الأمور، أو في هذه اللوازم، إلا من كَانَ ضعيف الإيمان أو ضعيف العقل أو جاءه الشيطان بشبهة، وهذا عليه أن يطردها لا أن يقرَّرها، وقولهم هذا دليل عَلَى أنهم لم ينفوا ولم يعطلوا الصفات إلا لمَّا خطر في أذهانهم التشبيه، فأول الأمر شبهوا، فلما وقع التشبيه في قلوبهم لم يجدوا إلا أن يدفعوه بالنفي والتعطيل، فَقَالُوا: ما دام أن الكلام لا يتصور إلا بالشفة واللهاة والقصبة الهوائية والرئه والهواء والنفس وكذا.. إلخ.
إذاً ندفع ذلك كله ونقول: إنه لا يتكلم أبداً، فنجعله أصم لا يسمع ولا يتكلم ولا يرى إِلَى آخر ما وصفوا الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى به، وما نفوا به صفاته.